الخرطوم اليوم الأخير من نوفمبر 2005
لم أعرف معنى عبارة "ليلة ليلاء" إلا بعد أن عرفت السهر والسهاد الذي سببته لي حبوب الملاريا، وهي حبوب سخيفة يفترض أن تحميني من الإصابة بهذا المرض اللعين الذي يحصد أرواح مئات الآلاف في القارة السمراء، "ثماني حبات .. واحدة كل أسبوع.. واوعى تنساها"، هكذا قالت الطبيبة بمركز المصل واللقاح بالقاهرة بعد أن حقنتني بنصف دستة من الأمصال شلت حركتي وفتحت جسدي لاستضافة الحمى ليومين متتاليين، لعل إصابتي بالملاريا كان أهون، فأنا أعرف أن الحمى أهم أعراضها
لم أعرف معنى عبارة "ليلة ليلاء" إلا بعد أن عرفت السهر والسهاد الذي سببته لي حبوب الملاريا، وهي حبوب سخيفة يفترض أن تحميني من الإصابة بهذا المرض اللعين الذي يحصد أرواح مئات الآلاف في القارة السمراء، "ثماني حبات .. واحدة كل أسبوع.. واوعى تنساها"، هكذا قالت الطبيبة بمركز المصل واللقاح بالقاهرة بعد أن حقنتني بنصف دستة من الأمصال شلت حركتي وفتحت جسدي لاستضافة الحمى ليومين متتاليين، لعل إصابتي بالملاريا كان أهون، فأنا أعرف أن الحمى أهم أعراضها
واستطردت الطبيبة في وصف باعوضة الملاريا التي تقف على بوزها رأسيا وتحقنني – إذا أهملت أيا من الحبات الثماني- بمرض الملاريا الذي قد يؤدي إلى وفاتي في هذه السن المبكرة على حد تعبيرها
إلا أن حبوب الملاريا حرمتني النوم لليلتين متتاليتين، كلما غمض لي جفن استيقظت الكوابيس وأشباح الطفولة محملة بوجوه أموات ينادونني ويغرونني بالصحبة في الحياة الثانية
رأيت "جاللو" الغجرية المسنة التي كانت تسكن على أطراف قريتنا وهي تغريني بالسماح لي بمداعبة كلبها العزيز الذي أقامت له مأتما استدعت له مقرئا ودعت له كبار القرية حين قتله السماوي في ليلة شتائية كنت حينها أمص حليب التاسعة
ورأيت نورا، جميلة القرية التي أحرقت نفسها بعد أن افتضح فقدها لعذريتها لشاب ماتت دون أن تفصح عن اسمه، رأيتها تمسح على صدرها البض الذي سنحت لي فرصة رؤيته عاريا من فرجة في حائط بيتهم عندما كانت تستحم، فشكلت قذفة الدم في الرأس والأعضاء التناسلية أول تجربة جنسية عند لقاء عين الطفل بالثدي الشاب
رأيت عم عبد الجيد، العملاق الطفل الذي كان يتصور أن الجمل، الذي لم يره في حياته، لا بد وأن تكون له ست أرجل ما دامت العنزة لها أربع وهل يستويان?.. المسكين قتله لصوص المواشي قبل أن يتمكن من إطلاق بندقيته التي لم تنطلق منها قذيفة منذ تسلمها سلاحليك شرباص في عهد مولانا الملك فؤاد الأول، والتي آلت في عهد عم عبد الجيد إلى ماسورة سد طرفها بقوالح الذرة
الجميع كانوا ينادونني، وكنت أجيب: أنا جاي، تعالوا خدوني
ويبدو أنني كنت أردد العبارة الأخيرة بصوت مسموع أثناء نومي، فقد حولتها زوجتي قبل يومين من سفري إلى نكتة روتها لشقيقتها أثناء زيارة إحدى الخالات بالمستشفى، وضحكت الشقيقة وضحكت معهم ولم تغب عن عيني صور جاللو ونورا وعم عبد الجيد الذين استدعتهم حبة الملاريا من قبورهم وبعثتهم أشباحا تسكن ليلي المحموم
No comments:
Post a Comment