نيالا – منتصف ليل العاشر من أغسطس 2006
عدت للتو من زيارة لقصر يلدز، وهو الإسم الذي أطلقته على مقر بعثة الهلال الأحمر التركي في نيالا، حيث يتميز المكان بفخامة لم أر مثلها في تلك المدينة البائسة التي زاد بؤسها بوفود مئات الآلاف من النازحين من قرى الجنوب إلى محيطها ليقطنوا حلقة من المعسكرات أوشكت أن تصبح مدنا مستقرة حول المدينة التي تتمتع بأمان نسبي أفضل من غيرها من المناطق في دارفور
بعثة الهلال الأحمر التركي تضم سبعة وعشرين شخصا ما بين أطباء وممرضين وإداريين، وهم يعيشون في هذا المبنى الجميل على أطراف المدينة في عزلة جغرافية ومعنوية تصل إلى درجة أن طعامهم يأتيهم من بلادهم سابق التجهيز، وأنهم لا يضطرون لشراء أي شيء من المدينة، وهو ما يجعلهم طبقة وحدهم من العاملين في منظمات الإغاثة الإنسانية الذين يتعايشون مع المجتمع المحلي ويختلطون بأفراده حتى لا تميزهم عن المواطنين غير ألوان بشراتهم المختلفة
تعلمت في هذا العمل أن العاملين بالصليب الأحمر ومنظمة أطباء بلا حدود هم رؤوس الحربة في عمليات الإنقاذ خلال النزاعات المسلحة، وهم لذلك أدنى إلى العسكريين من المدنيين، على الأقل من حيث اعتيادهم على شظف العيش واختلال الأمن وغياب أبسط مقومات الحياة، ولذلك كان فريق الهلال الأحمر التركي بما يتمتع به من رفاهية مثيرا لفضولي
شخصان فقط بين السبعة والعشرين تركيا يتحدثان الإنجليزية، أو للدقة، يظنان أنهما يتحدثان الإنجليزية، وهو ما جعل الحوار أشبه بالمستحيل، فشخص من فريقي يلقي عبارة بالعربية أترجمها إلى الإنجليزية ثم يترجمها واحد ممن يتحدثون الإنجليزية من الأتراك إلى اللغة التركية، ثم يعود بالرد من التركية إلى الإنجليزية ثم إلى العربية مرة أخرى من خلالي
انعدمت متعة الحوار بعد بضع دورات من الترجمة من العربية إلى الإنجليزية إلى التركية والعكس، خاصة وأن بعض الكلام كان محاولات للمزاح تحطمت على حواجز اللغة والوقت الذي تستغرقه الترجمة
وعندما خرجت اللغة المنطوقة من المعادلة، خلت الساحة للغة الأصلية للتواصل الإنساني، أقصد لغة العيون، فقد انطلقت عيناي تجوس بين الجالسين بحثا عن الاتصال الإنساني النقي الذي لا يشوبه نفاق ولا يعتوره تجميل وتنميق مفتعل
وبالطبع كان ذلك الاتصال "الإنساني" أسهل مع الجميلات اللاتي اصطففن في مقعد بعيد عن جلستنا، ففي حوار صامت تعرفت على تلك الفتاة الرقيقة ذات الشعر الذهبي المجعد والتي جلست في ركن الغرفة وقد ضمت ذراعيها العاريين إلى صدرها الملئ المستدير الذي تدخل أكثر من مرة بإفادات بليغة في حوارنا الصامت فأحسن القول كما أحسنت الإصغاء
ومرت ساعة تداخلت فيها الأصوات الصامتة من كل اتجاه حولنا، وتنكر عواء الذئاب في نظرات الحملان، وكذب الكاذبون وادعى المدعون، إلى أن تغلب همس سكوني في النهاية على الجميع بعد حددت مطالبي بوضوح لا لبس فيه، ويبدو أن صراحتي قد ربحت وسط هذا الخضم من الرياء الذي أحاط بنا
غريب أمر فعل التواصل بين البشر.. فمع ضغطة أصابع الفتاة الرقيقة على يدي عندما هممت بالرحيل انهار كل منطق في إصرار الإنسان على اتخاذ اللغة المنطوقة وسيلة وحيدة للتواصل، فها هو كل الكلام يجري بسهولة من العيون إلى العيون، ثم من الأنامل إلى الأنامل دون الحاجة إلى البحث في قواميس الكلام عن عبارة تحاصر الشعور في قوالب تحرمها نشوة الحرية والانطلاق
ومع الوعد والأمل المتفتح في عينيها الخضراوتين التين يصول الشباب بين حدقتيهما صولة الوحش البري الحبيس، تعلمت أن كثيرا من الكلام يموت على أعتاب الشفاه، وأن الكلمة التي تعيش بلا حد أقصى لتاريخ الصلاحية للاستهلاك الآدمي، هي بالتأكيد كلمة لست معلبة في حروف اللغات، لا الإنجليزية ولا التركية، ولا حتى العربية
عدت للتو من زيارة لقصر يلدز، وهو الإسم الذي أطلقته على مقر بعثة الهلال الأحمر التركي في نيالا، حيث يتميز المكان بفخامة لم أر مثلها في تلك المدينة البائسة التي زاد بؤسها بوفود مئات الآلاف من النازحين من قرى الجنوب إلى محيطها ليقطنوا حلقة من المعسكرات أوشكت أن تصبح مدنا مستقرة حول المدينة التي تتمتع بأمان نسبي أفضل من غيرها من المناطق في دارفور
بعثة الهلال الأحمر التركي تضم سبعة وعشرين شخصا ما بين أطباء وممرضين وإداريين، وهم يعيشون في هذا المبنى الجميل على أطراف المدينة في عزلة جغرافية ومعنوية تصل إلى درجة أن طعامهم يأتيهم من بلادهم سابق التجهيز، وأنهم لا يضطرون لشراء أي شيء من المدينة، وهو ما يجعلهم طبقة وحدهم من العاملين في منظمات الإغاثة الإنسانية الذين يتعايشون مع المجتمع المحلي ويختلطون بأفراده حتى لا تميزهم عن المواطنين غير ألوان بشراتهم المختلفة
تعلمت في هذا العمل أن العاملين بالصليب الأحمر ومنظمة أطباء بلا حدود هم رؤوس الحربة في عمليات الإنقاذ خلال النزاعات المسلحة، وهم لذلك أدنى إلى العسكريين من المدنيين، على الأقل من حيث اعتيادهم على شظف العيش واختلال الأمن وغياب أبسط مقومات الحياة، ولذلك كان فريق الهلال الأحمر التركي بما يتمتع به من رفاهية مثيرا لفضولي
شخصان فقط بين السبعة والعشرين تركيا يتحدثان الإنجليزية، أو للدقة، يظنان أنهما يتحدثان الإنجليزية، وهو ما جعل الحوار أشبه بالمستحيل، فشخص من فريقي يلقي عبارة بالعربية أترجمها إلى الإنجليزية ثم يترجمها واحد ممن يتحدثون الإنجليزية من الأتراك إلى اللغة التركية، ثم يعود بالرد من التركية إلى الإنجليزية ثم إلى العربية مرة أخرى من خلالي
انعدمت متعة الحوار بعد بضع دورات من الترجمة من العربية إلى الإنجليزية إلى التركية والعكس، خاصة وأن بعض الكلام كان محاولات للمزاح تحطمت على حواجز اللغة والوقت الذي تستغرقه الترجمة
وعندما خرجت اللغة المنطوقة من المعادلة، خلت الساحة للغة الأصلية للتواصل الإنساني، أقصد لغة العيون، فقد انطلقت عيناي تجوس بين الجالسين بحثا عن الاتصال الإنساني النقي الذي لا يشوبه نفاق ولا يعتوره تجميل وتنميق مفتعل
وبالطبع كان ذلك الاتصال "الإنساني" أسهل مع الجميلات اللاتي اصطففن في مقعد بعيد عن جلستنا، ففي حوار صامت تعرفت على تلك الفتاة الرقيقة ذات الشعر الذهبي المجعد والتي جلست في ركن الغرفة وقد ضمت ذراعيها العاريين إلى صدرها الملئ المستدير الذي تدخل أكثر من مرة بإفادات بليغة في حوارنا الصامت فأحسن القول كما أحسنت الإصغاء
ومرت ساعة تداخلت فيها الأصوات الصامتة من كل اتجاه حولنا، وتنكر عواء الذئاب في نظرات الحملان، وكذب الكاذبون وادعى المدعون، إلى أن تغلب همس سكوني في النهاية على الجميع بعد حددت مطالبي بوضوح لا لبس فيه، ويبدو أن صراحتي قد ربحت وسط هذا الخضم من الرياء الذي أحاط بنا
غريب أمر فعل التواصل بين البشر.. فمع ضغطة أصابع الفتاة الرقيقة على يدي عندما هممت بالرحيل انهار كل منطق في إصرار الإنسان على اتخاذ اللغة المنطوقة وسيلة وحيدة للتواصل، فها هو كل الكلام يجري بسهولة من العيون إلى العيون، ثم من الأنامل إلى الأنامل دون الحاجة إلى البحث في قواميس الكلام عن عبارة تحاصر الشعور في قوالب تحرمها نشوة الحرية والانطلاق
ومع الوعد والأمل المتفتح في عينيها الخضراوتين التين يصول الشباب بين حدقتيهما صولة الوحش البري الحبيس، تعلمت أن كثيرا من الكلام يموت على أعتاب الشفاه، وأن الكلمة التي تعيش بلا حد أقصى لتاريخ الصلاحية للاستهلاك الآدمي، هي بالتأكيد كلمة لست معلبة في حروف اللغات، لا الإنجليزية ولا التركية، ولا حتى العربية
yaaaaaaahhh!!!
ReplyDeleteyour physical & mental awareness of other WOMENS ESCENCES..is truely beautiful..
RADWA ATEF FOUAD