Sunday, August 30, 2009

حفار القبور

هذا الرجل ميت بلا شك!!.. صدره ثابت لا يعلو ولا يهبط..وعيناه نصف مفتوحتين بلا حركة.. ولا معنى لرقاده على جانبه بهذا الشكل وفي هذا المكان سوى أنه مات.. لا حول ولا قوة إلا بالله.. ألا أن من حسن طالعه أنني حفار قبور.. المهنة الوحيدة التي يحتاجها الآن

الأمر لله.. لأكسب فيه ثوابا وأدفنه في أي مقبرة تكون مفتوحة ولا يهم من كان صاحبها فالموتى لا يتنازعون القبور كما تتنازعها الأحياء

أتجه نحوه وأحمله بسهولة على ظهري كغرارة.. الرجل لا بد تخطى المئة.. ورغم ضآلة حجمه يبدو كأنه جبل لكنني حملته... وسرت في طريقي نحو صحراء الدراسة وقد نويت دفنه هناك.. فلا طاقة لي بحمله أكثر من ذلك وانحدرت متجاوزا السور الكبير متخذا طريقي نحو الصحراء الواسعة

وفي الطريق شعرت وكأن حرارة الميت ترتفع.. كأن حياة ما بدأت تدب في الجسد الهزيل الذي كان قبل دقائق باردا.. لكنني كذبت نفسي وقلت لعلها حرارتي أنا انتقلت إليه ورحت أدفع الهاجس المخيف عن رأسي.. كيف الموت لم يخفني وتخيفني عودة الحياة؟؟ حقا لا أعرف

وقبل أن اتخلص من الفكرة شعرت بالميت وقد انتشرت معالم الحياة فجأة في كافة أنحاء جسده الذي أحمله على ظهري.. ووثب برشاقة عجيبة من ظهري إلى كتفي وقبل أن أدرك هول المفاجأة استوى الرجل على كتفي وعقد ساقيه النحيلتين حول عنقي بقوة حديدية لم أملك وأنا أحاول الإفلات منهما إلا أن أسقط أرضا أتلوى دون أن يفل ذلك من بأس الرجل الذي لم ينطق حرفا ولم يصدر صوتا خلال معركة قصيرة أيقنت بعدها أنني أصبحت مطية لهذا الميت الحي حتى يقرر هو الهبوط عن كتفي

تماسكت قليلا فتمكنت من القيام بصعوبة.. ولم يسمح لي حملي بالنظر إلى أعلى لأستطلع وجهه بعد أن عادت إليه الحياة.. وأصبحت كل الاتجاهات محصورة في الأمام.. وأصبح الأمام محصورا في فرجة بين فخذيه من خلالها أسمع وأرى وأتنفس الرائحة النتنة لهذا الكائن القذر الذي يقودني الآن إلى حيث لا اعرف

ضغطة زائدة على جانب من وجهي تخبرني أننا سنتجه في هذا الجانب.. الوحش يريدني أن أحمله إلى عمق الصحراء إذا.. حسنا!.. حسنا حسنا لا تدفع!! ما الداعي لمزيد من الضغط؟؟ انا أسايرك مطيعا

لا أعرف كم ساعة مرت وأنا اسير في هذه الصحراء المخيفة... لكن أي خوف بها يفوق ما حدث لي بالفعل؟؟ إن أي وحش كاسر أو جن مريد يظهر الآن قد يكون رحمة الله المهداة لإنقاذي مما أحمل.. ربما لإنقاذه مني لو حانت لحظة أسقطه فيها

بدأت ساقاي تصرخان من ألم السير في هذه الرمال.. وقد فقدت أحد نعلي قبل ساعة وربما اكثر ولم يتح لي ذلك الوحش الغبي فرصة للعودة إليه فتركت الثاني طوعا.. وهأنذا أختبر ثقة الأشواك بلحم القدمين

لم يدع لي ذلك الشيء فرصة للاعتراض.. وتقطعت أنفاسي وقدمي وبعض ملابسي حتى وصلت به إلى بقعة منبسطة مستديرة.. لا يبدو انبساطها ولا توحي استدارتها الكاملة بأنها من فعل الطبيعة التي ليس في طبيعتها التناسق الكامل

وتتراخى ساقا الوحش فجأة ويتهاوى إحكام أعصابه على كتفي.. وقبل أن أدرك أيضا يسقط عن كتفي إلى ظهري ليرتطم بالأرض خلفي جثة هامدة.. لا أقف للتفكير.. ولا أبالي بمصيره.. أستغل الفرصة وأعدو إلى الأمام.. إلى لا مكان ولا اتجاه.. أسقط أرضا بعد خطوتين.. وأقوم لأواصل الهروب

خطوتين وأقف.. واستدير.. العجوز الميت على نفس وضعيته التي عثرت عليه فيها.. مستلق على جانبه الأيسر وقد سكنت أنفاسه تماما.. ووجدت نفسي أقف في وسط الدائرة العجيبة.. ووجدت نفسي أنا حفار القبور بلا بديل غير أن أحفر قبرا لهذا الرجل ولو بأظافري

6 comments:

  1. كل واحد يندفن فى الحتة اللى تريحه بقا
    زى اللى بينام على الجمب اللى يريحه كده:)))
    فكرة مجنونة وعبقرية

    ReplyDelete
  2. مالى أفهمها الان فهما اخر
    أيكون ذلك العجوز شيطان هذا الرجل أو نفسه الأمارة بالسوء؟

    ReplyDelete
  3. Anonymous2:28 AM

    This comment has been removed by the author.

    ReplyDelete
  4. Anonymous2:28 AM

    This comment has been removed by the author.

    ReplyDelete
  5. Anonymous2:32 AM

    This comment has been removed by the author.

    ReplyDelete
  6. Anonymous3:12 AM

    This comment has been removed by the author.

    ReplyDelete