Saturday, September 19, 2009

الرب الذي لا أعرفه



- أرجوك اطفئ سيجارتك..التدخين ممنوع في هذه السيارة
أطفأت سيجارتي دون غضاضة ونظرت إلى وجه سائق التاكسي صاحب الأمر السابق.. شاب في محيط العشرين من عمره ويغلب النحول جسده الأسمر وقد أطلت ذراعاه من داخل فانلة حمالات تحولت إلى اللون الأصفر بسبب العرق الذي لا يمكن تفاديه في العاصمة الغانية أكرا في هذا الوقت من السنة
لم أتعجب برود السائق الشاب.. فهذه ليست المرة الأولى التي أقابل فيها شخصية إنجليزية مستعمرة تختبئ في جسد أفريقي كهذا.. لكنني شعرت ببعض القلق عندما بدأ الفتى في الغناء.. خاصة وأنه كان يغني بلغة محلية لا أعرفها أغنية أقرب إلى النواح.. وقبل أن أقطع الغناء بسؤالي بادرني الشاب
- هل انت مسيحي؟
لم أعتد الإجابة على أسئلة تتعلق بديانتي في أي ظرف.. وبالتأكيد لن أتحدث عن ديني بارتياح في سيارة تسير بي قرب منتصف الليل في شوارع مظلمة لعاصمة تقف على خط الاستواء في بلد لم أدرس طبيعته الطائفية قبل أن أزوره.. ولم يكن عندي بديل غير الاستهبال
- وما جدوى السؤال؟.. كلنا أحباب الله
- إذا أنت لست مسيحيا.. لعلك على الأغلب مسلم

وقبل أن أرد عاد السائق إلى أغنيته الحزينة.. وهذه المرة قررت ألا أقطع عليه غناءه وبدأت أتعجل انتهاء هذه الرحلة التي يفترض أن تنتهي بي إلى مطعم بوسط المدينة..
- هل تعرف الرب؟
- أمثالنا لا يعرفون مثله.. وليس له مثل.. إنما تسمع عنه وأسمع عنه ولكن أنى لنا أن نعرفه
- وماذا تعرف عن الرب
- أعرف أنه منتهى كل شيء.. المطلق في كل الأمور
- وهل يحبك الرب
- لا أعرف.. لكنني أحبه
- الرب يحبك إذا التزمت بزوجتك ولم تخنها ويحبك إذا لم تدخن ويحبك إذا لم تسب الناس
- فعلا.. عندك حق.. هل بقيت مسافة كبيرة على المطعم؟

تجاهل السائق سؤالي الأخير وهو الأهم عندي في هذه المحاورة الفلسفية الضحلة وعاد إلى أغنيته
- ما هذه الأغنية؟
- هذه أغنية للرب

شعرت أن كل الأسئلة وكل الإجابات وكل ما يحيط بذلك الظرف المكاني والزمني تؤدي إلى الرب.. وقررت السكوت وبداخلي أدعو "الرب" أن أصل قاع أعمق في النقاش مع هذا الفتى الذي تنطق عيونه بهوس ديني عنيف
- الأغنية تحكي عن أحباب الرب.. الذين يحبهم الرب إذا التزموا بزوجاتهم ولم يدخنوا ولم يسبوا بعضهم البعض
- (لا أرد)
- هل تعرف الرب؟
-
(لا أرد)
يستاء الفتى لتجاهلي إياه.. ولم تفلح معه حيلة ادعاء جهلي بالإنجليزية.. فبعد كل هذه المناقشة يعرف السائق أنني أجيدها.. ولا يعود للغناء مرة أخرى
- هل تعرف الرب؟
- ( لا أرد)
- هل يحبك الرب؟
- (لا أرد)

1 comment:

  1. Anonymous8:45 AM

    This comment has been removed by the author.

    ReplyDelete