Friday, November 02, 2007

الدمــــــــار الشــــــامل


قصة قصيرة من وحي ثلاث ساعات قضيتها على كوبري أكتوبر، شريان المرور المتكلس في القاهرة

حمل إفرايم حقيبته السوداء الصغير من فوق المنضدة ثم انتفض واقفا في نشاط واضح، ونظر بقسوة من وراء نظارته الشمسية الداكنة إلى زملائه الثلاثة الذين بدوا جميعا معه كنسخ متطابقة لشخص واحد يرتدي سترة سوداء حالكة وربطة عنق سوداء أيضا على قميص أبيض يبدو أنه خرج لتوه من تغليفه الأصلي

وسحب كل منهم حقيبته التي كانت متطابقة مع حقيبة إفرايم، وخرجوا في صمت وجدية الواحد تلو الآخر من باب الشقة التي تقع في الطابق الثاني في بناية من طابقين في ضاحية المعادي الهادئة

هبط الثلاثة على سلم البناية وكان الواحد منهم إذا خرج من البوابة الحديدية للبناية انطلق في اتجاه مختلف عن الاتجاه الذي سلكه زملاؤه من قبله، وبدا أن كل واحد منهم يعرف بدقة إلى أن يذهب وماذا يفعل

علامات القسوة وانعدام المشاعر تتقافز على وجه مائير وهو يطلب من سائق التاكسي أن يقله إلى الشرابية، ويرد على السائق ببرود قائلا: هم خمستاشر جنيه مافيش غيرهم، عاجبك شغال، مش عاجبك وسع للي جاي وراك

مد السائق يده إلى مقبض الباب الداخلي يفتحه لمائير الذي كان من العجرفة بما جعله ينظر إلى الباب ولا يمد يده اليمنى ليفتحه، بينما قبضت يده اليسرى على الحقيبة الجلدية الصغيرة بحزم

انطلقت السيارة في طريقها، ولم يتوقف السائق عن الكلام عن الظروف والأحوال والمعايش والمدارس ورمضان والعيد وأمناء الشرطة الذين أصبحوا كالمنشار الذي يأكل في اللحم الحي طالعا ونازلا

السائق يتكلم، ومائير يبدو كالإنسان الآلي، لا يرد ولا تظهر على وجهه البليد المتجمد أي علامة على التجاوب

عندما وصلت السيارة إلى كورنيش النيل، وبالتحديد أمام مبنى الحزب الوطني والمجلس القومي للمرأة، سأل السائق مائير، فين في الشرابية
رد مائير بنفس الدرجة من البرود: أكتوبر، أكتوبر إيه يا أستاذ؟ انت سيادتك مش قلت الشرابية؟، أيوة أنا عايز أروح كوبري أكتوبر فوق الشرابية، أكتوبر أكتوبر

أذعن السائق وهو يهز رأسه عجبا من خرق ذلك الشاب الأنيق الذي بدأ رحلته من المعادي ويريد أن ينهيها فوق الكوبري.. كوبري أكتوبر يا عالم ياهو، ولا على إيه؟ يمكن هاياخد مكروباظ من فوق رايح في أي داهية بوش أمه العكر

وقف التاكسي في فوق كوبري أكتوبر بعد بضعة أمتار من المدخل المعروف بنزلة الشرابية، وتحمل السائق لعنات كل القادمين من ورائه الذين ذكروا القحبة التي أنجبته بالخير تحية لذلك التوقف المفاجئ في مكان لا يتوقف فيه أحد، ولكن السائق صبر حتى عد مائير الأجرة جنيهات خمسة عشر من جنيهات العيد الجديدة

وقف مائير فوق الكوبري، وظهر على وجهه شعور يشبه الارتياح عندما أيقن أنه يقف في المكان المناسب تماما لتنفيذ ما جاء من أجله.. قبض على الحقيبة بتوتر، وبدأ وجهه يختلج وهو ينظر إلى بقعة محددة في منتصف الحارة اليمنى لذلك الجزء الضيق من الكوبري

في نفس اللحظة كان إفرايم يقف ممسكا بحقيبته في مفترق الطرق في منتصف طريق صلاح سالم لدى صعوده إلى الكوبري الغبي المدعو كوبري ألماظة، وعلى وجهه نفس علامات الارتياح المختلط بالتوتر، وكان موشى يقف حاملا الحقيبة في طريق جسر السويس عند بتاع البن، بينما فضل رامون السير على أقدامه حتى وصل إلى كورنيش المعادي أمام السلطانة

الأربعة ينظرون في ساعاتهم وعقاربها تتحرك معا ببطء نحو الثانية ظهرا، والجميع في انتظار اللحظة الحاسمة

وصلت عقارب الساعة إلى الثانية، وفي نفس اللحظة دقت الهواتف المحمولة في جيوب عملاء الموساد الأربعة، ولم يمد أي منهم يده إلى الجيب الدخلي للسترة ليلتقط هاتفه، وكان من الواضح أن المقصود من هذا الاتصال هو الرنة فقط التي ستؤكد على العملاء الأربعة موعد ساعة الصفر

المشهد القادم بتم بالحركة البطيئة للضرورة الفنية

الأربعة يتحركون في حركات متشابهة تماما، كل واحد منهم يفتح حقيبته الجلدية الصغيرة، ويخرج منها "قالب طوب أحمر" ويسرع بحركة مدروسة ليضع قالب الطوب في منتصف الشارع الذي وقف أمامه، وفي حركة يبدو أنهم تدربوا عليها جيدا، طوى كل واحد منهم حقيبته الجلدية ووضعها في جيب داخلي للسترة السوداء بينما تتجه عدسة الراوي إلى قالب الطوب المستقر على الأسفلت وتثبت على دائرة نقشت على القالب عندما كان عجينة طفلية قبل حرقه.. طوب النجار

دقائق قليلة وتنهار شبكات المحمول الثلاث، فسكان القاهرة جميعا يحاولون الاتصال ببعضهم بعد التعطل الرهيب الذي شل القاهرة تماما، فقد انقطعت سبل المواصلات بين القاهرة والجيزة، وبين المعادي والقاهرة وبين شرق القاهرة وغربها تماما، وتوقفت السيارات في الشوارع المستهدفة فجأة، ثم بدأت الشوارع الأخرى تتعطل هي الأخرى بعد أن سرى الشلل في شرايين العاصمة نتيجة للعمل الإرهابي المنظم

لم يتغير الحال لساعات، فالمواطنون على الطرق التي ضربها العمل الإرهابي الآثم بالطبع لم يتحركوا لإزالة قالب الطوب، فكل شخص ينتظر أن يقوم شخص آخر بهذه المبادرة حتى يتمكن هو من المرور قبل فاعل الخير، ومعظم الناس ينتظر أن تتحرك سلطات الأمن لإزالة العدوان على حركة السير والمرور في العاصمة، بينما اجتمعت السلطات الأمنية بكافة طبقاتها لدراسة الموقف ومحاولة الوصول إلى خطة للتصدي للعمل الإرهابي وللحيلولة دون تكراره

وفي هذا الوقت كان عملاء الموساد الأربعة يركبون دراجات هوائية، ويزحفون كل من موقعه على الأرصفة وفي الشوارع الضيقة في اتجاه مطار القاهرة ليصلوا إلى المطار في توقيت واحد مدروس وينتهون جميعا على متن طائرة الخطوط الإيطالية المتجهة إلى ميلانو ثم إلى لندن، وبينما كانت الطائرة تحلق في أجواء القاهرة، كان إفرايم ينظر إلى أسفل حيث تجمدت الحياة في القاهرة تماما، وربما إلى الأبد، وبمجرد أن سمع العملاء الأربعة صوت الطيار وهو يعلن في إنجليزية طريفة عن خروج الطائرة من المجال الجوي المصري، تهللت وجوههم واحتضنت نظرات كل منهم الآخر في ابتهاج

وبينما كانت الطائرة تتلاشى في الفضاء الواسع، رفع إفرايم إبهام يده اليمنى إلى أعلى علامة الإجادة والتأكيد، بينما أمسكت يده اليسرى بكأس من التمر هندي كان قد ملأها للتو من كيس اشتراه من أحد الباعة المتلطعين على طريق المطار أثناء رحلته للحاق بالطائرة، وتوقفت الحياة في القاهرة ودبت في حركة الأيدي التي تقاربت لتنقر الكؤوس في بعضها البعض نخب الخطة الدقيقة التي دمرت العاصمة المصرية في لحظات

6 comments:

  1. Anonymous12:25 AM

    واااو
    انت لذيذ يا ابراهيم مع انك رجعى
    بيسان

    ReplyDelete
  2. والطوبة جت في المعطوبة

    نياههههههههههه

    ReplyDelete
  3. ايه نظرية المؤمراه اللى انت عايش فيها دى
    بس بجد مسسسسسسسسسسسخره

    ReplyDelete
  4. هههههههههههههه
    القصة رائعة طبعا بس انا باضحك على "رجعى" ههههههه الا رجعى دى والله ضحكت وانا مش عايزة.

    ReplyDelete