Thursday, February 11, 2010

هنــــا القاهرة

وصلت إلى الحد الأقصى للقرفصاء.. ومع ذلك لا جدوى فما زالت سهام البرد القارس تخترق ملابسي من بلاط الرصيف الأسمنتي مباشرة إلى بطني التي لم تتخلص من حساسيتها للبرد حتى بعد كل هذه السنوات من الصياعة والتشرد


وبدأت أمعائي في التحرك إيذانا بنوبة مغص جديدة فيها تنطلق أنصال غير مرئية من أعلى إلى أسفل لتتجمع سنونها جميعا فيما فوق المثانة وتظل جادة في فعل القطع لثوان ثم تنفرج لتتركني في حالة من الإنهاك والإعياء في انتظار نوبة تالية بينما تتعالى أنفاسي التي أصبحت العلامة الوحيدة على حياة هذه الكومة من الأسمال التي تحتويني


لاشيء يصلح ما أفسده البرد غير الدفء.. أقوم حاملا جسدي الموشك على التجمد وكيس ملابسي المكون من عدة أكياس مختلفة الألوان ليس بها من الملابس غير زوج من الجوارب الصوف الميري قطفته من على حبل غسيل في الطابق الأرضي لمنزل بالقرب من هنا.. ولا يمكن أن أخاطر بارتدائه على قدمين حافيتين حتى لو قتلني البرد في هذا الليلة القاسية.. مستحيل أن أخسر ثروة كهذه في مغامرة أسفلتية غير محسوبة


أحتضن بطني بقوة وأسير منحنيا تحت وطأة نوبة المغص الموشكة وأسير لمسافة قصيرة في شارع متفرع عن شارع محمد فريد بوسط البلد.. ولا تحملني قدماي كثيرا حتى أصل إلى جوار هواية تبريد ما يبدو أنه جهاز تكييف مركزي لبناية بنك مصر العملاقة.. حرارة الآلة العملاقة تندفع بين ريشات الهواية مشكلة ملاذا دافئا بحدود وهمية.. وبدت فكرة الاستلقاء داخل هذا الملاذ حلا أرسلته لي السماء في نوبة كرم غير مقصودة


والأغلب أن السماء قصدت ذلك الكلب الذي تآكل نصف الشعر في ظهره نتيجة للجرب والذي اختار تلك البقعة بالتحديد لقضاء الليلة


لا أحب أن أزاحم كيس البراغيث والقراض ولا أحبه أن يزاحمني.. لكنها ضرورة تستحق الصراع.. ولم يكن ذلك الصراع الاضطراري عنيفا بقدر ما كان حاسما.. فقد تكفلت زلطة صغيرة بإرسال الكلب الأسود إلى آخر الرصيف وهو يضم قائمتيه الخلفيتين على ذيله الخائف ويصدر عواءا مهزوما رددت عليه "امش!!.. هش ابعد!!".. وخلت البقعة السحرية التي اكتشفت أنها مكررة على مسافات متساوية في الجدار.. وخفت إحساسي بالذنب تجاه الكلب عندما تصورت أنه سيكتفي باللجوء إلى ملاذ مشابه في الجانب الآخر للبناية


ألقيت بنفسي بالسرعة والكيفية اللتين حددتهما الجاذبية.. فلم يكن قد بقي مني في هذه الليلة شيء يستحق وضعه على الأرض بعناية


استدعي النوم الذي لا يمانع المجئ صاغرا وسط هذا التعب.. ويأتي معه رجل أمن قصير بدين يبدو أنه نبت من أحد الطوابق تحت الأرضية لبناية بنك مصر.. "انت يا..!! مافيش نوم هنا..امش!!.. هش ابعد!!"