كشفت التجربة التي استمرت ربع قرن أن الشعب المصري فشل تماما في التفاهم مع حاكمه، وفشل في إقناعه بمطالبه المشروعة وحقوقه التي لا خلاف عليها، وفشل حتى في تعريف الحاكم بنفسه، وأقول إن الشعب فشل كي لا أظلم الرئيس الذي لا ذنب له فيما فطره الله عليه من عيوب نفسية وذهنية، ولا تبديل لخلق الله
الطريقة العلمية المتفق عليها في حل المشكلات تبدأ دائما بتحديد المشكلة، وبتحديد المشكلة بشكل دقيق، يسهل دائما العثور على حل مبتكر لها، بينما يؤدي التخبط في تحديد المشكلة إلى التخبط بين الحلول المقترحة التي تؤخر ولا تقدم وتدفع إلى المزيد من اليأس
ومع ذلك استمرت الحركات الوطنية المصرية المخلصة في محاولاتها المتخبطة الباسلة وأحيانا اليائسة للتخلص من نظام الرئيس مبارك، وانتهت المحاولات إما في المعتقلات أو السجون أو تحت الهراوات وتحت الجزم، وهي أماكن تقع جغرافيا في إقليم ما وراء الشمس الذي لا يعود منه المناضل كما ذهب، أو لا يعود أصلا
لقد جلست إلى أم محمد، وهذا اسمها لا كنيتها لأنها لم تنجب أصلا، وهي قريبة ضربتها الشيخوخة حتى جاوزت التسعين، وأهم ما يميز أم محمد هو أنها تحب الرئيس مبارك حبا يفوق الوصف، ولا يفوتها أبدا الاستماع إلى خطاب ألقاه الرئيس مبارك في أي مناسبة، أو مشاهدة النقل الحي لأي زيارة قام بها الرئيس مبارك لأي محطة مجاري أو مصنع مكرونة
وظلت أم محمد لسنوات تدافع عن الرئيس مبارك ضدنا نحن شباب العائلة الذين ولدنا ومتنا في عهده السعيد، وكانت ترمينا بأبشع تهم الحقد والتحاسد والغيرة، وواصلت المسكينة دفاعها حتى شهور قليلة مضت، حيث ماتت ولم يزل لسانها يلهج بالدعاء للرئيس مبارك
رحلت أم محمد وتركت لنا تراثا قيما من الأسباب والتبريرات المهمة التي كانت تفسر بها تصرفات الرئيس مبارك في معرض دفاعها عنه، فهو دائما مبتلي ببلايانا التي لا تنتهي، وهايعمل إيه ولا إيه واللي عنده تلات عيال بيدوخ فيهم، ما بالك اللي شايل شعب فيه يطلع "كام مليوم"؟؟
ولكن أبرز تبريراتها ذلك التبرير الذي توصلت من خلال تحليله إلى أصل مشكلة الشعب المصري مع رئيسه، فذات يوم كنا نجلس إلى جوار قريبتنا المسنة نشكو الحال المتدهورة التي وصلت إليها مصر في الربع قرن الأخير، فما كان من أم محمد إلا أن صرخت في وجوهنا بديباجتها التي تتهمنا بالحقد على الرئيس والتي تدعو له بدوام الصحة والعافية والتوفيق والسداد، ثم أتبعت هذه المقدمة بعبارتها الخالدة: "هو يعني كان هايعرف منين"؟؟
وهذه العبارة، أو بالأحرى، هذا التساؤل هو إفراز لقرون طويلة من الاستبداد الذي ظل الشعب لحسن نيته يظن أن سببه هو حاشية الفرعون أو الملك أو السلطان أو الوالي أو الرئيس، وما تبنيه هذه الحاشية من حواجز بين الحاكم المسكين والشعب المسكين برضه
ويبدو أن الحاكم كان دائما يستحسن هذا التصور الذي يبرئ ساحته من جرائمه ضد شعبه، لأن هذا الشعب يعتقد أن زعيمه لا يعرف، وتواصل هذا التصور الساذج لموقع الحاكم من حاشيته وموقع حاشيته منه حتى جرى على لسان أم محمد فتجرد من سذاجته وبدا لأول مرة تصورا منطقيا
لا أقصد أن الرئيس مبارك لا يعرف ما يدور في البلد، إنما هو يعرف كل شيء في بلده تماما كما كان كل حاكم قبله يعرف كل شيء، وإنما ما لا يعرفه الرئيس هو كيف يتصرف في المعلومات التي تتوافر له، ففيما يبدو أنه لا يفهم اللغة التي يتكلمها شعبه، وبالتالي فقد تعقدت العلاقة بين الحاكم والمحكوم وبدت وكأنها عداوة، إلا أنها ليست سوى سوء تفاهم مركب ومزمن وحله سهل وممكن إذا حاولنا
لقد عرف الرئيس مبارك أننا كرهنا الدكتور عاطف عبيد رئيس الوزراء الأسبق واستنكرنا اختياره لهذا المنصب الرفيع، ولكنه أبقاه لسنوات وسنوات، حتى مل الناس المطالبة بتغيير الحكومة، فمل الرئيس مبارك العند وصرف عبيد وجاء بنظيف، وكذلك عرف الرئيس مبارك أننا كرهنا سيدنا يوسف بطرس غالي الذي جعله على خزائن مصر، مرة وزيرا للاقتصاد ومرة وزيرا للتجارة الخارجية وأخيرا وزيرا للمالية، وظل غالي حلقة بارزة في سلسلة عناد الرئيس مع شعبه، أو ما يظنه الشعب عنادا
فالحقيقة أن الرئيس لا يعاندنا وإنما هو لا يفهمنا، حيث يعاني من عيب جيني أصابه بنوع من عمى الألوان السياسي، فهو يظن القبول رفضا كما يظن الرفض قبولا، فيتمسك بقبول شعبه بعبيد وغالي ويدعم رفض شعبه لأبو غزالة والجنزوري
وظن البعض أن هذا العيب يحتاج إلى توظيف مترجم يلازم الرئيس بصفة دائمة بغرض الترجمة بيننا وبينه، إلا أن هذه الخطة لم تنجح لأنها افترضت أن المشكلة سوفت وير من الممكن علاجها بشكل سطحي، بينما هي في الواقع جزء من الهارد وير الرئاسي الأصيل
الحل إذا هو أن نتعايش مع مشكلة الرئيس ونحاول أن نكيف حياتنا السياسية على معطياتها المقلوبة، فإذا كرهنا مسؤولا فما علينا إلا أن نخرج إلى الشارع في مظاهرات عارمة تهتف بحياته تطالب ببقائه لأنه الرجل المناسب والمكان المناسب والوقت المناسب، والنتيجة المؤكدة هي أن الرئيس سيعزله، وبالعكس إذا أعجبنا مسؤول، ما علينا إلا أن نخرج في مظاهرات تطالب برأسه وسيبقيه الرئيس حتما في موقعه، وربما رقاه إلى رتبة أعلى
صراخنا ضد التوريث سيؤدي في النهاية، بالنظر إلى ما سبق، إلى وقوع التوريث ولا ريب، وأولى بهؤلاء الذين ينادون بإبعاد السيد جمال مبارك عن المناصب العامة أن يبدأوا حملة تغطي مصر كلها يكون شعارها الذي تنادي به هو تخلي الرئيس مبارك عن منصبه لنجله ووريثه وخليفته وتلميذه الذي فاق الأستاذ
وكلي أمل أن تؤدي هذه الحملة إلى إقدام الرئيس على قتل نجله ليموت الوريث، وتلقي الشرطة القبض على القاتل الذي ينهار من أول شلوت ويعترف بجريمته، وتظهر صوره وهو يداري وجهه في ملحق دموع الندم الذي تصدره الجمهورية، وتنزل كلمة النهاية على المشهد الأخير الذي انتظرته الجماهير لسنوات، في تتر النهاية تشدو أم محمد بأغنيتها الرائعة
حبيبي يا ناس باحبه ييجي من هنا لقليوب
الناس بتفهم عدل وهو يفهم بالمقلـــــــوب
وينزل الستار، ويسود القاعة تصفيق حاد
شركة تنظيف قصور بالرياض
ReplyDeleteشركة مكافحة حشرات بالرياض
شركة رش مبيدات بالرياض
شركة عزل اسطح بالرياض
شركة تسليك مجاري بالرياض
شركة الصفرات لنقل الاثاث
شركة الصفرات لنقل العفش
افضل شركة مكافحة حشرات وفئران
شركة جلي بلاط بشرق الرياض
شركة تنظيف شقق بشرق الرياض
شركة جلي بلاط بشمال الرياض
ReplyDeleteشركات عزل مائي بالرياض
شركة تنظيف كنب بالرياض
شركة تنظيف غرب بالرياض
شركة تسليك مجاري شرق الرياض
شركة تسليك مجاري شمال الرياض
شركة تنظيف شمال الرياض
شركة تنظيف شرق الرياض
شركة تنظيف منازل بالرياض
شركة الصفرات لتنظيف الفلل
شركة تنظيف بالرياض
شركة الصفرات لتنظيف الموكيت
ReplyDeleteشركة الصفرات لتنظيف الشقق
شركة تنظيف خزانات بالرياض
شركة تنظيف البيارات بالرياض
افضل شركة جلي بلاط بالرياض
شركة تخزين عفش بالرياض
شركة مكافحة النمل الابيض بالرياض